بسم الله الرحمان الرحيم
مقدمــة:
البحث الذي نحن بصدده محاولة ٌلتبيان موقف الإسلام والمسلمين أثناء وبعد حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من أتباع الديانات والثقافات الأخرى.و هو أيضاً محاولة جادة للحكم بشفافية ووضوح على تاريخ علاقة المسلمين مع الآخر من ناحية، ووضع ميزان يمكن بموجبه كشف التزام المسلمين بهذه الضوابط والقيم في علاقاتهم مع الأمم الأخرى، أو تنكُّرهم لها عبر تاريخهم وصولا إلى وقتنا الراهن، من جهة أخرى.
والغاية من هذا البحث تبرئة المسلمين وتاريخهم ودينهم – وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر- من فرية الإرهاب والتنكيل بالآخرين التي ألصقت بهم زوراً وبهتاناً لتنافيها مع تاريخهم وعقيدتهم، وتسليط الضوء على سلوك المجتمعات والدول الغربية الذي يجافي المنطق ويزوّر حقائق الواقع والتاريخ، مما يبرر توتر العلاقة بين المجتمعات المسلمة (ولا أقول الحكومات) والعالم الغربي حكومات وشعوباً، ويبرر حالة انعدام ثقة الشارع العربي والمسلم بكل المبادرات والتوجهات الغربية التي تتعلق بقضاياه، لا بل يخلق قطيعة بين الشرق المسلم والغرب المسيحي:
1- تعامي الغرب عن نزاهة ومصداقية وأحقيّة قضايانا، وتبنيه للمسألة الصهيونية – بشكل غير منصف وغير أخلاقي- بسبب عقدة الذنب التي يعيشها، و تكفيراً عما سبّبه لليهود من قتل وتنكيل، وحرمان اقتصادي واجتماعي، عبر علاقة غير ودية - لا بل كيديّة – استمرت منذ العهد الروماني، مروراً بالعصور الوسطى ومحاكم التفتيش، وصولاً لما اجترحه بحقهم في بولندا وألمانيا.
2- الصمت المطبق للغرب حيال ممارسات الكيان الصهيوني غير الإنسانية والمخالفة لكل المواثيق والمعاهدات الدولية.
3- سياسة الكيل بمكيالين كلما تعلق الأمر بنزاع عربي أو إسلامي مع طرف غير إسلامي (انفصال تيمور- نزاع كشمير- مسلمو الإيغور).
4- التظاهر بحل النزاعات، وإحقاق الديموقراطية، وإقامة أحلاف المودة، مع إخفاء أطماع إمبريالية لا تخفى على أحد (موقف نابليون من علماء الأزهر، محادثات حسين-مكماهون، معاهدة سايكس – بيكو، حلف بغداد- - وعد بلفور- انقلاب مصدّق- حرب السويس- حرب الخليج- احتلال العراق ونهبه- العروة الوثقى مع الكيان الصهيوني – الحرب على إيران)
5- الدور المغرض للإعلام الغربي الذي يروِّج لظاهرة الإسلام – فوبيا، والذي يخلط الأوراق ويزيفها – عن طريق دغدغة الجانب الإنساني عند الفرد الأوروبي- بتصويره لنضال الشعب العربي والمسلم للتحرر من ربقة الاستعمار والاحتلال والهيمنة على أنه إرهاب وقتل للأبرياء، بينما يقف صامتاً حيال كل المجازر التي ترتكب بحق العرب والمسلمين في العالم.
وقد يسأل الناقد لمثل هذه الدراسة: وهل نحن بحاجة (لتزكية) أنفسنا والدفاع عن نزاهة تاريخنا أمام مستهتر بحقوقنا وناكر لتاريخنا؟ أجيب فأقول إن دفاعنا عن حقوقنا لا بد أن يشمل كافة الوسائل والسبل المتاحة، ويجب أن لا نألو جهداً في إيصال كلمة الحق لكل مثقفي العالم و نبيّن طيب محتدنا وعراقة أصولنا وتميز تعاملنا مع كل بني البشر.
ومن هذا المنطلق لا بد من إعادة التعريف بتاريخ هذه الأمة ونبل سلوكها، وخير ما يمكن أن يقدمه مواطن يدعي الثقافة مثلي أن يسلط الضوء على تاريخ أمته وبلده.وسأبدأ البحث بإلقاء الضوء على مجموعة العقائد المنتشرة في الجزيرة العربية حين نزول الرسالة، ثم أنتقل إلى الحديث عن موقف الإسلام من هذه العقائد ومواقفه من المسيحيين بوجه خاص، سواء في فترة ما قبل تأسيس الدولة وما بعدها، وأثر ذلك على صعيد الحريات الدينية، والاقتصادية، ونزاهة القضاء، ومساهمة ذلك كله في بناء التلاقح الثقافي وتحقيق أعلى المراتب في العيش المشترك.
العقائد المنتشرة في شبه جزيرة العرب حين نزول الرسالة 620 م:في هذا الإقليم الذي يسمى شبه جزيرة العرب، الذي تشغل الصحراء ثلاثة أرباع مساحته، وفي هذه الأرض المجدبة قليلة السكان، التي كان جل قاطنيها من قبائل البدو الرحل، الذين لو جمعت ثروتهم كلها فإنها لا تكاد تكفي إنشاء كنيسة أيا صوفيا*(1) ،انتشرت الوثنية إلى جانب اليهودية والمسيحية.ووسط أهم مدنه، مكة، شمخت الكعبة، وهي بناء مقدس بني من الحجارة السوداء، و"كان فيها360 صنماً وصورة، وكانت صورة المسيح ومريم العذراء من هذه الصور، وكان اليهود شديدي التعظيم للكعبة.. ووجد بين العرب فضلاً عن النصارى واليهود، الذين لم يكن عددهم قليلاً في جزيرة العرب، من يعبدون إلهاً واحداً وسمي هؤلاء بالحنفاء"*(2)،إضافة إلى فرقة دينية وصفهم القرآن بالصابئة.يقول المؤرخ الألماني آدم ميتز*(3) أن عدد نصارى ويهود الجزيرة بلغ آنذاك خمسمائة ألفاً، مستنتجاً ذلك من الجزية التي دفعت للخليفة عمر بن الخطاب*(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق