قرح القريحة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:140)
القريحة في مقاصدنا .. هي (ما جادت به العقول على اللسان) .. فيقال قريحة الشاعر .. وهي عبارة عن رابط خفي يربط بين لسان الشاعر وعقله وهي وسيلته الشعرية .. تقوم عند الشاعر ولا تقوم عند غيره
فـلفظ قرح هو القصد (رابط وسيلة خفي بفعل فائق) وهو من نتاج علوم القرءان ... وهي نفسها في اللسان العربي المبين عند التطبيق (قرحة المعدة) .. وهو نفسه في القصد لفظ (التقرحات) التي تصيب جسم الانسان من مساس سطح خشن مقرح (فعل فائق) او أي التهابات (فعل فائق) تسبب تشقق الجلد فتكون (تقرحات) .. وصفة الرابطة انها (خفية) في وسيلة ربطها بالفعل الفائق كما في شاعرية الشاعر وكما في قرحة المعدة التي لا يعرف الطب سببها المؤكد بعد .. اما الشاعر فلو سألته كيف تقول الشعر .. فلا جواب عنده .. لان رابط وسيلته الشعرية (قريحته) خفية حتى عليه ...
الاية مستقلة ولن ترتبط بما قبلها بحرف الربط (و) كما هو منهج الخطاب القرءاني في الايات التي تحتاج الى رابط قرءاني يقيم البيان بتواليه لكون في الفهم (متوالية) وبما ان الاية مستقلة ولا ترتبط باية اخرى فتكون قابلة للربط في كل موضع من خارطة الخالق فهي كما نصفها في مقاصد هندسة الاجهزة الاكترونية (ترانسستور) إن تأتيه الكترونات من مصدر يتم بثقها باتجاهين ... ذلك مثل للتوضيح ..
إن يمسسكم قرح ... المخاطب هنا يكون حتما لحملة القرءان وليس لغيرهم (عقل) .. فهم ليسوا مخاطبين بالاسم المسمى كأن يكونوا مؤمنين .. او يكونوا كافرين .. او قوم نوح او غيرهم .. بل الخطاب مطلق لحملة القرءان ومن يقرأ القرءان فالاية له .. ذلك نهج قرءاني في الخطاب العام لحملته الى ان ينتهي برنامج الله في البشر ... لان القرءان اخر كتاب سماوي ولا كتاب بعده ..
وتدور الدنيا بين الناس بوضوح بالغ .. والقرح يتقلب مع الزمان (وتلك الايام نداولها) وما كان الخطاب القدسي (وهذه الايام نداولها) بل تلك الايام وذلك يعني ان الايام لا ترتبط برابط زمني فهي (متداولة) ... فاصبح للباحث اجازة في البحث عن الرابط الخفي الذي فيه وسيلة ربط ليكون مساس القرح قائما في العقل ... في زمننا ..
الرابط الذي يذكرنا به القرءان هو الزمان (تلك الايام) .. ولا رابط غيره ... القوم سيكونون هم الناس الذي يربطهم زمان واحد ... في عصر بدايات النهضة قوم .. في عصر قبل النهضة العلمية قوم .. في عصرنا (قوم) ... ونحن حملة القرءان والقرءان موجه بخطابه لمن يقرأ القرءان الا ما استثن بتسمية او صفة موصوفة ..
ان يمسسكم (قرح) وهي ان يمسسكم (رابط وسيلة خفية مع فعل فائق) ... فهو (يمسسهم) (مثله) ... فان ظهرت فايروسات ... فهي تصيب القوم وتصيبكم ... وان حصل ثقب في الاوزون فهي مساس القوم ومساسكم .. وإن مسكم عارض ضغط الدم .. فقد مس القوم مثله .. وان مسكم سكري فقد مس القوم مثله .. فاي مساس للقرح فيكم ... هو مساس للقرح مثله فيهم ...
وما السبيل ... السبيل في فهم الاية ... والاية تفهم عندما يكون اللفظ (ولـِيـُعــَلـّمْ) الذين امنوا ... فالله يعلمهم .. وليس في باب العلم بهم .. لان
(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:132)
فالله ليس بغافل ليجرب في الذين امنوا لغرض العلم بهم .. علم الله باعمال العباد لا يحتاج الى تجربة ميدانية والا كيف يكون الله علام الغيوب ...
ولأن ... الباحث المستقل في القرءان سيرى بعين العقل فالعقل والقرءان لا يفترقان ومع العقل نصا دستوريا يحسم الامر
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:78)
ولأن ... القرءان مصدر للعلم فيكون الله يخضع الذين آمنوا الى برنامج تعليمي في القرءان لان الله تكفل ببيانه ليس فقط في زمن نزوله بل على طول عمر القرءان في البشرية
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرءانَهُ * فَإِذَا قَرَءنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة:19)
وان كان الخطاب لرسول الله عليه افضل الصلاة والسلام في سورة القيامة ولسانه من لسان قومه فنحن في اجازة قدسية في الاستنان بسنته الشريفة المسطورة في القرءان فكل ما تعلمه الرسول من ربه سنة تطبيقية في الاسلام .. فكما تعلم الصلاة من شديد القوى استننا بسنته ..
وكان العقل .. ان يكون ... في رحلة .. عقل منضبط ... بقرءان يذكر الذاكرين ان الله بذلك القرح في ايام متداولة بين الناس يقوم بتعليم الذين امنوا .. ومحرك العلم هو قرءان لان الخطاب لقاريء القرءان وليس لغيره ...
فلكل من قرء القرءان في زمنه .. (ان مسه قرح) فقوم زمانه ... في قرح مثله ... لتتعلموا ... لان الله يريد ان يتخذ منكم شهداء ... ونص القرءان صريح وحاسم وهو لحملته .. فاي حديث غير هذا يحتظن العقل ..!!
يريدنا ربنا جماعة .. وليس فرادى ... والنص القدسي يحسم هذه المعالجة ... فالثلة او القلة ان اكتملت بجمع مؤمن ... مسهم قرح ... مثله مثل قرح قوم زمانهم ... فان الله يعلمهم ... ليكونوا شهداء ...
فلو اجتمع جمع قراء للقرءان مسهم (قرح) مرض (السكري) وهو (وسيلة رابط خفي لفاعلية فائقة) وهو يصيب قوم زماننا ولا احد يعرف سببه (خفي) .. والاطباء وعلماء الطب لا يعرفون رابطة السبب .. ولا يملكون علاجه .. الا بعقار مستمر .. ان نفد العقار اشتعل الدم سكرا ... واجتمع جمع من قراء قرءان يتلونه (حق تلاوته) ... فانهم يشفون من قرحهم ... ويكونون .. شهداء للناس ... لان الله معلمهم بوعد منه والقرءان يذكرهم بوعد منه ايضا .
وحذار .. فان الله لا يحب الظالمين ... وهو تنبيه لذلك الجمع .. ان يستثمروا ايات الله في شأن دنيا .. فهو ظلم لا يحبه الله ... لان المرض في زماننا (استثمار) كما تستثمر السلع والاموال ... والانسان لعبة استثمار دوائية وطب تقني يخرم الجيوب بمزيد من الفحوصات التقنية ... فتفلس عوائل وتخرب بيوت في حين منظومة الطب تكبر وتتألق وتزدان بعليائها في استثمار المرض ... وذلك لن يكون في برنامج الله
ذلك قرءان ... يلبي حاجاتنا .. في زماننا ... نربطه برباط حق فيما نحن فيه ... فيكون دستورنا .. والا كيف تكون الدساتير ... ترانيم صباحية .. ام قراطيس تاريخية ...
تلك ذكرى .. وما كانت ... ولن تكون .. الا والقرءان سببها .. عسى ان تنفع الذكرى
الحاج عبود الخالدي
...............................
المصدر : المعهد الاسلامي للدراسات الاستراتيجية المعاصرة
قرح القريحة