وتسألني هويتي أين عقلي يا عيد
بقلم : محمد يوسف جبارين (ابوسامح..أم الفحم ..فلسطين )
كل عام وأنتم بخير ، أقولها والخير على أكف الأماني ، ويحتاج الارادة الفاعلة لكي تنزله منازله ، فيظل حاضرا بظروف مهيأة دوما لانتاجه ، فتتذوقه الأذواق ، وتتنفسه الأنفاس ، وهو المراد ، فكيف حال المسافة الممتدة طويلا طويلا بين مرارة الواقع وبين الأماني ، وكيف ومتى الارادة تحزم أمرها وتعبرها ، وتعانق الأماني المعلقة على أكف الرجاء ، فلا زلنا نرجو الرجاء ، وهو يرجونا أن نشق دربنا نحو أمل نقصده كل عام حين نقوله ونتمناه ، فهذا العام والعام الماضي والذي قبله ، هي هي الآمال على طرف اللسان ، وهي هي العقول ناقدة بكل حصافة الفكر واقعا أليما نحياه ، وهي هي النفوس والمرارة تشقها شظايا من هول معرفتها بما تحتاجه لتصعد على الدرب نحو الجمال الذي نتمناه اطلالة لحرية لا بد وأن نأتي بها فنرتوي منها فعلا وفكرا بانيا أملا كل صباح ، وخيرا عميما كل ليل ونهار ، فلا أجمل من جمال نتمناه ، ولا أخير من خير نتوخاه ، ف ( أنتم ) ، كما أنتم وبما أنتم عليه ، تدرون من أنفسكم بأنكم لستم أنتم بالحال الذي ترضونه لأنفسكم ، فلا ظروفكم هي التي ترضونها ، ولا هي التي لا تتمنون أن تكونوا بغيرها ، بظروف ترونها في وعيكم بأنها الأليق بكم ، وهذا حس نبيل بأنكم تعلمون باطلالة من الأعماق بحسكم بذواتكم بأنكم لو أتيحت لكم ظروف غير التي مرت بكم لكنتم على غير ما أنتم عليه ، ولو أنها الظروف الآن تتبدل لما ارتضيتم بالحال الذي هو أنتم عليه ولبدلتم في حالكم الى حال ترونه يكمن في أعماقكم ، فانتم بتصوركم لما أنتم جديرون به لستم أنتم كما ترون حالكم الآن ، فمن أنتم الذين لستم أنتم براضين عنهم ، أم أنتم الجوهر والصورة المأمولة في الأعماق والتي حالت بينكم وبين أن تكونوهم كما تريدون ، فالعائق كان أقوى ، وبرغمه كنتم ، فأنتم خلاصة صراع أن تكونوا فكنتم ما ترونه ولم تتمنونه وانما تمنيتم ما ظل ذكرى في النفس أردتمونها ولم تكونوها ، فأنتم لستم راضين عن أنتم ، وانما تتمنون لو تعيدون هيكلة أنتم لانتاج أنتم لترضوا ، فالرضى نتاج آليه التحويل الى ما تريدون أن تكونوه ، فأنتم في وعيكم في محل من الاعراب ليس أنتم ، وهذا ما تستنبته فكرتكم عن أنفسكم ، وهي فكرة راسخة في تكوينكم وجاءتكم من خلاصات تاريخ ومن تحديد هويه ، فأنتم أكبر من أنتم وبكم طاقات مجمدة يمكنها أن تستخرج أنتم من أعماقكم لتعيد بها صياغة الوجود من جديد وبما يتفق مع أنتم ، فالخير كامن في داخلكم لكنه مقيد بمبررات مستقاة من واقع لكم معه التجارب كلها ، وهي التي تنطق في وعيكم ، لكنها على كل ، وبما هي عليه ليست التي يجب أن يكون لها الحاكمية في نطاق ارادتكم ، وانما أنتم كما أنتم في أعماقكم ، فمن يحطم القيود ، من يكسر الأطواق ، من يقيم لفكرتكم عن أنفسكم القيامة التي تقيم لأنتم قيامة أنتم جديرون بها ومطالبون بها ، فهنا الخير على أكف الاختيار ، وليس للارادة الا أن تختار ، فاذا اخترتم أنفسكم أن تكونوا أنتم ، أتيتم بالخير بخروج أنتم من أعماقكم الى مناهزة الظروف لتغييرها واستولاد ظروف أخرى ، فهنا تكمن ولادة الخير ، وبغير ذلك فالخير الذي تريدون محبوسا عنكم بارادتكم ، فالاختيار بين أنتم وأنتم ، فلا بد أن تختاروا أنتم الذين تتمنونهم وتريدونهم بدلا عن أنتم ، فكونوا غير ما أنتم لكي تكونوا أنتم ، فما ( أنتم ) ، فأنا واحد منكم ، وهذا أنا وحدي ، فأين غيري ، فهو لا يهمه أمري ، فماذا تعني أنتم في الخطاب ، لا أعرف ، فأنا أبحث عنها ، فهل تحاولوا أن تجدوها معي ، فلا أنا مع نفسي ولا نفسي مع عقلي ولا جسدي يتفق له أن يرتاح بعقلي ونفسي ، فمن أنا ، هل هو هذا الممزق ألذي يجعلني لا أعرف لماذا لم أزل أقول أنا ، فكيف أقول أنتم أو تقول لي ( أنتم ) ، فاذا أنا وجود يحال على رتبة الشك بوجوده ، فكيف حال أنتم ، فأين أجدها ، في أنا ، فيا ليت أعرف أيان تقع ، فدلني اليها ، فهل أجدها في من هم حولي ، في المجتمع ، فالفردية طاغية ، فلا أحد مع أحد الا بمقدار ما ينتفع به أحد من أحد ، فالنفعية بهية ، منورة ، وعداها ، خلفا در ، فلا وقت عندي لمعرفة بمصيبة حلت بأخ أو بجار ، أو بمن كان يظن بأنه عزيز ، فالهلهلة ، وهي هنا ليست بمعنى أن كلا أصبح المهلهل ، لا ، لا ، وانما الخلخلة ، والتفكك ، اهتراء جملة معايير كانت تجمع ، وكان بالامكان تحديد كلمات مثل عائلة ، أو جماعة انسانية ، أو صحبة ، فأين نحن ، وأين أنتم ، وأين الممزق أنا .
في كتابي تعريف لمن هو أنا ، وأنظر في المرآة فلا أجد هذا الذي أقرأه ويقول لي بأني هو ، فكيف أنا هو أنا ، وكل الدلائل في الواقع المعاش، تدل على أني بالحال الذي أنا عليه لا يجمعني مع ما هو مكتوب باني هو سوى ظني بأني هو ، وانما أنا لست هو الآن ، ولكني بظني صائر اليه فأكونه ، فكيف أصير ، وما الصيرورة والمصير ، فاذا كنت ذاك فكيف استحلت الى غير ما هو ، فثمة صيرورة وصرت ومصير ، فهل هي الكلمات بما عنى وبما لا يعني ، وبأن تبديلا في معانيها يمكنه أن يحل بها فلا تكون ما هي ، بعد أن كانت هي ، تماما كما حال دل على أنا ثم استحال الى غير ما هو ، فلم يعد يمكني أن أجد أنا في هذا الذي يذهب الظن فيه أنه أنا ، فضرورتي صيرورة الأنا ، فأين هو لأكونه ، أم تراه نتاج تدرج في صيرورة بمعنى آلية تستولدني ، لا أن تستخلصني ، فلست أنا مكتملا في ذاتي لكي يتم تنقيتها ، فأبقى أنا خلوا من شوائب رانت وشاهت بها الصورة ، ولم يعد يتراءى الجوهر ، فليست هيكلتي من جديد هي ضرورتي ، وانما استيلادي بحال أغدو فيه بما يؤهلني أن أكون هويتي واليها أصير ، فاذا أنا هو أنا فأنا كائن حبري ولست موجودا ، فكيف سبيلي الى معرفة من هو أنا ، وكيف كنت ، وكيف أصير ، فهل أضاعني عقلي ، أم أني أضعته ، فلم يعد بي ما به أعلم ما أنا حين أنا أريد تعرفي ذاتي ، واذا هو هذا حالي فكيف لها ذات غير مدركة بوعي تطمئن اليه ذاتها أن تعرف هويتها ، وما يضمن لها بأن المعرفة بها ما يفيد من تحصيل ما تريد .
فمن أنا ، بل من نحن ، فلم نزل نجترع بؤس المعرفة بتحصيل نحن بنحن ، ونفر الى كنا ، في عملية نفسية وعقلية تصوع لنا لاوعيا يريحنا لحظات من واقع كل ما فيه يقول لنا بأن الذين كانوا هم غيرنا ، وعاشوا في ظروف غير ظروفنا ، وصراعهم مع ظروفهم كان غير ما هو صراعنا مع ظروفنا ، فظروف مجتمع زراعي متخلف ( غير صناعي ، بلا أدوات متطورة ) ، تصوغ الحياة بغير ما تصوغه ظروف عصر نحن فيه ، وبناء القوة في مجتمع زراعي ، لا تعدو سيفا ورمحا وعصا ودرعا ، ورجالا ومبدأ يجمعهم ، غير بناء القوة في زماننا ، ليسوا نحن ، ولا نحن هم وانما انتماء يجمعنا بهم ، فهم في المقابر وفي الكتب ، ونحن نلوذ بهم هاربين من دور في الحياة ، كانوا هم يعرفون السير فيه كما يريدون ومن دون أن يلوذوا بنا ، فليس بهم ما يدل على وجودنا في الحياة ، فليس ثمة ما يلفت نظرهم الى وجود لنا ، فلا نحن كنا بينهم ، ولا دبيب لهم يدل عليهم في مكان ما في هذه الأرض ، فهم الاستخراج الذي يطيب لنا أن نستخرجه لنحلهم في محلنا ، وكأننا نريد أن نطل من خلالهم ، على كل صعب وعلى كل جهل وعلى كل كارثة وعلى كل هزيمة ، فأين نحن ، ومن نحن ، ولما نفر من أن نلاقي الحياة بكل العقل الذي يتعقل واقعا يراه بكل آلامه أمامه ، لماذا نستولد بعقلنا عقلا نضحك به علينا ، نخدع عقلنا بعقلنا ، نكذب على أنفسنا بأنفسنا ، ونستخرج من الكذب والوهم ما يريحنا من واجباتنا ، فما حاجة عقل الى عقل يتفلت بنا بكل فرار من حاضر الى ماض محشور في حاضر ، نسبح في لفظ كنا ولا نعود الى كيف نكون ، وماذا نكون ، وأيان نرسو ، نلهو نلعب على ملاعب التيه والبلادة ، فكأنما كنا مادة عقل تكفينا كي نكون .
أما خطر على بال كل من دب به الجهل دبيبه ، وأورثه بأنه بجهله سوف يستبقي حاضره في حاضر الأجيال من بعده ، فاذا كانوا بمنطقه ، فليس ثمة مستقبل في مجرى مئات من السنين ، فالمستقبل ماض والماضي حاضر ، ركود ، جمود ، استنقاع ، فلا فعل به اضافة حتى يقال بأن ثمة تجدد يشار اليه ، وهكذا المسافات تتطاول بين راكد وبين متقدم يتطور ، فامكانيات جامد كما هي ، ومثل ما أنها كانت فهي في ثلاجة متجمدة ، فحالها من حال العقل ، فهي دلالته ، تشير اليه ، وهذه لا تحرس أمنا حين تكون المواجهة سافرة بينها وبين أدوات متطورة بيد من تطور بها ، فالسقوط في انتظار من أخلد الى مغارة يلوك جهلا ويطحن جهلا ، فهو الفريسة بين أنياب طامع بجهده وبثرواته ، وهكذا من دأب على تأهيل نفسه للسقوط ، تماما كمن أهل نفسه لعجز يدور به فدار دورته في عجزه ، فأين كنا وأين أصبحنا ، أما كنا الورود على شرفات الحضارة نعبق بكل أريج تنتعش به الصدور ، فهل سقطنا في كل هاوية وتناثرنا ، وتمزقنا ، فغدونا وبيننا وبين أن نبلغ الماء لنغتسل من ضياعنا زمن طويل ومع مرور الوقت يستطيل ، أليس ممكنا أن نختصر الوقت الى آمالنا وأحلامنا .
وهنا نحن بكل تساؤل ، فلم نزل نعرف نقولها في مستوى الملفوظات ، ولكننا ونحن نقولها ، فلا يصح أن لا نلامس الواقع بكل سؤال عن هذه ال( نحن ) ، وال ( أنتم ) ، فأين هي ، في الواقع ، نقول ( نحن ) ، ونحس بما نتمناه في الواقع ولا نجده ، بل مرارة تنسكب من نفوسنا ، بسبب من عدم وجود هذا ال( نحن ) الذي نتصوره ونريده حقيقة قائمة بالفعل ، فباستشراف المعاني التي تعنيها ال ( نحن ) ، وببسط الفكر في ماض كان ، نستولد الحاحا على هذه ، فأين هي ، ولماذا لا تكون بكل ما يتوجب أن تكون عليه ، فهي عملية تاريخية ليست بسيطة التدحرج في سياق الزمن ، فهي نتاج تحولات هائلة ، في مستوى الاقتصاد والمجتمع والتعليم ، وذلك ليمكنها أن تخرج الى الوجود كما يتوجب أن تتراءى لنا ، فنقول ها هي ، فما هي المسافة بين نطقنا لها أو تأشيرنا عليها ، وبين ما حال نريدها أن تكونه ، ما الفرق بين ما نجده من ( نحن ) حين نقولها ، وبين ( نحن ) التي نريدها ، فربما في الوعي تتراءى لأول وهلة فهي التي هي ، وهي التي نريدها هي بعينها ، لكنها في حقيقتها في جملة الواقع محتاجة الى أن تدل على نفسها ، بكل دليل ، كما أنه اذا تراءى ضباب يحجب رؤيتها فلا بد من تبديده بحثا عنها ، فلا مفر للعقل من أن يجليها ، بكل معنى تعنيه لكي يعرف كيف يبلغها ، وهنا فسرعان ما الالتصاق بالحقيقة وبالبحث عنها ، يوجب أن نستشرف حقيقة ما يتوجب فعله ، فما هو هذا الذي نريد أن نفعله من أجل أن نعيد أل ( نحن ) الى كونها حقيقة في الواقع ، فصيحة الدلالة على نفسها بكل دليل يحتاجه العقل لكي يمييزها ، وهو سؤال هويتي .. هويتنا .. التي تسألني .. تسألنا ..أين عقلي ..أين هي عقولنا .. أين هو العقل العربي .. فعلى أكفه الخير ، وهذا الخير نريده ممتدا بامتداد الأيام .. كل الأيام .. في كل عام ، فتكونون أنتم هم أنتم ، ونحن تعني نحن ، وأنا هي أنا ونحن وأنتم وأنا نقول معا والبشاشة تعلونا .. كل عام وأنتم بخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق