بسم الله الرحمان الرحيم
الطريق الى اليقين (لا ريب)
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
بعد انتشار العلوم المادية وقيام الحضارة المادية التي قطعت شوطا طويلا وعريضا اصبح الفكر الانساني يتأرجح في ثقافة اللايقين (الشك بكل شيء) واثخنت المدرسة المادية بالشك حيث استطاع علم الاحصاء ان يفرض هيمنته على الاراء العلمية التي صدرت من علماء مشهورين واكاديميات رصينة واصبح النتاج الاحصائي يمتلك مخاوف ما كانت في حرم جامعي تقليدي وعلى سبيل المثال لغرض التوضيح اعلن في امريكا ان عدد الاصابات بمرض السرطان بلغ 12 مليون اصابه في عام 2007 وهي نسبة وبائية في معايير الاوبئة التي وضعها التقليديون في العلم نسبة لتعداد الشعب الامريكي البالغ قرابة 150 مليون نسمه حيث كانت المعايير العلمية تشير الى نسبة 5% من أي تجمع انساني ليكون سقف الصفة الوبائية الا ان الاكاديميات التقليدية اضطرت الى تصحيح تلك المعايير فقالت ان النسبة الوبائية تخص الاصابات الجرثومية والفايروسية التي تمتلك عدوى والسرطان ليس منها ...!!
الشك والريبة باكبر منظومة حضارية (الطب) اصبح يقينا قائما عندما تصدع اليقين بمصداقية منظومة حضارية راسخة كمنظومة الطب ازاء 12 مليون اصابة سرطانية في سنة واحدة في تجمع انساني (متحضر جدا) مع عجز تام لمنظومة الطب التي تمثل قمة حضارية لا تضاهى .. ذلك هو مثل في (اللايقين) الحضاري ..
توالت الاخفاقات العلمية في معالجة الفايروسات وفي معالجة بيئة متصدعة في احتباس حراري ينبيء بكارثة مع تصحر وشحة مياة وازمة غذاء مرتقبة ... وكلها تصب في رافد فكري واحد هو (فقدان اليقين) فاصبحث ثقافة اللاثقة تصاحب مسار الحضارة العملاقة ..!! وتنتشر الان فكريا ثقافة اللايقين بشكل ملفت لنظر الباحث المستقل ..
الطريق الى اليقين الذي يقع في اهتمام اثارتنا وان كان شاملا الا انه يتركز في ضعفنا ووهننا (نحن المسلمون) ازاء النظم الحضارية الكاسحة واكثر النقاط الحرجة تكدست في ساحة العقل العقائدي الذي سرى فينا في ثلاث مسارب ندرجها لغرض الاستئناس بها وليس لغرض تقديم بيانات بحثية واجبة الترسيخ ...
المسرب الاول : الامعان في الغور العقائدي عمقا في نظم العقيدة فظهر التطرف العقائدي باشكال متعددة وصلت الى حد اقصى عند المتشددين في الدين عندما سرت فيهم نشوة التطرف الى تقمص الماضي بمختلف اشكاله حتى في الملبس وفي يومياتهم وقامت عندهم انتقائية حادة في اختيار النظم الحديثة لتختلط مع ماضي العقيدة فتم استبدال رباط الخيل باسلحة معاصرة يصنعها العلم الحديث فاصبح لفظ (الارهاب) لصيقا بصفة المتشددين عقائديا واستخدم اعداء العقيدة ذلك اللفظ كطعنة سامة لكتاب المسلمين (القرءان) الذي اوصى بالارهاب (ترهبون به عدو الله وعدوكم) فقام عند اعداء الاسلام منطق الدفاع عن حضارتهم فامعنوا غلا وعدوانا في الاسلام واهله ..! سواء كان الهجوم على الرموز او النظم الاسلامية او الهجوم على المجتمع الاسلامي في مساحة واسعة من الارض في العراق او في افغانستان او غزة او لبنان
المسرب الثاني : مسرب التحلل العقائدي والارتماء في الاحضان الحضارية بكامل عناوينها وقد غادرت العقيدة عقلانية كل السائرين في ذلك المسرب ولم يبق من العقيدة الا اسمها فقط وهم يحملون (اليوم) ذلك الاسم ليس لاعتزازهم به بل لانه لصيق تكويني بهم غير قابل للانفصال لانهم وارثين للاسم العقائدي شاءوا ام أبوا ..!!
المسرب الثالث : مسرب الحيارى بين العقيدة والحضارة فتراهم ساعة من نهار هنا وساعة اخرى نهار او من الليل هناك في تطبيقات حضارية خلطت بين المسجد واللامسجد ...!!.. وتراهم مؤمنون عقائديون في حارة من حارات العقل ومتحضرون متحررون في حارة اخرى من حارات العقل لا تستقيم عندهم العقيدة لانها (تطرف) ولا تستقيم عندهم الحضارة الحديثة لان فيها (كفر) فضاعت عليهم الحقيقة
حاول الكثير من اصحاب الفكر الاسلامي ايجاد وسيلة لاحتضان العقيدة بفكر لا ريب فيه الا انهم تعرضوا لانتقادات وحوربت افكارهم ووصفتهم بصفات قاسية ومنهم من ابيح قتلهم ومنهم من تطرف الى كفة المتشددين ... واخرون مالوا الى كفة الحلول من خلال منح الصفة الاسلامية لصفات معاصرة ... على مدى قرابة قرن من الزمن لم يستطع الفكر الاسلامي الوسطي ان يحرر الحيارى من حيرتهم وبقي السواد الاعظم من المؤمنين يتأرجحون بين العقيدة وخروقاتها ...
المتشددون عجزوا تماما عن توفير قناعات عامة (نظم) .. بل امعنوا كثيرا في توفير القناعات لمجاميعهم فقط في كافة المذاهب الاسلامية وليس مع مذهب اسلامي واحد فلكل مذهب متشددون يحملون قناعات لا تمتلك القدرة على الانتشار بين صفوف المسلمين لانها تربط يومهم بامسهم ولا جديد الا حين ينتقى بلا ضوابط فهو متشدد ويهاجر الى ارض اباحية ومن شروط الهجرة الاطمئنان على الدين والمال والعرض .. لكن القناعات الانتقائية لا تقوم الا بين صفوف المتطرفين في الدين فقط .
المتحللون عقائديا عجزوا عن توفير قناعات تجيز تحللهم العقائدي واصروا على منهجهم وفق معايير حضارية لا تمثل دستورا فكريا للعقائديين مثل اصحاب الفكر العلماني (دولة كل الاديان) ... او اصحاب الفكر الليبرالي الذي يتزعمه رأس المال الاستثماري والذي يحتضن الفكر (الديمقراطي) دستورا للنهوض الفكري والتنفيذي في الامم المتحضرة
يبقى الفكر الوسطي (الحيارى) بين الحضارة والعقيدة وهم يتأرجحون في الفكر فاذا كانوا مع المتحضرين قام بينهم قاسم مشترك واذا كانوا فكريا مع العقائديين فهم يمتلكون قاسما مشتركا معهم
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77)
استشرى الفكر الوسطي بين المسلمين خصوصا في الربع الاخير من القرن الماضي فعلى سبيل المثال التوضيحي اجيز الربا بعد أسلمته .. واجيزت السباحة للنساء على السواحل البحرية بعد توفير حجاب مفتعل واجيز التعامل بامور كثيرة ينفر منها الاسلام وتفرضها الحضارة كولاية الكافرين والهجرة الى دار الحرب واصبح الافتاء الوسطي اجازة شرعية لكثير من المخالفات التي تفرضها الحضارة حتى وصلت الحال الى ما يقرح القلب عند اجازة الغناء او اجازة كثير من وسائل اللهو ..واجيز ... واجيز .. حتى اصبح الوسطيون يمتلكون ترجمانا اسلاميا قاسيا للاسلام ينفر منه الفكر العقائدي الرصين في كثير من التطبيقات ..!!
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة:102)
الاعتراف بالذنب متحصل بين يدي الحيارى وهم يعرفون جيدا انهم يخالفون الاحكام الشرعية الا انهم يبررون عملهم تحت حجة (الضرورة) ويضعون للضرورة احكامها خصوصا في المجتمعات المسلمة المهاجرة الى ديار المتحضرين او في ديار الاسلام التي يكثر فيها التطبيقات الحضارية المجتمعية التي تفرض على الحيارى نمطا اجتماعيا كترك الحجاب او القبول بالقرض الربوي او ترك الصلاة في مواقع محددة او الاستثمار الربحي في الممنوعات الشرعية ..!!
لا توجد منهجية ترفع عن الحيارى حيرتهم وتضع الموازين القسط ليكون المقسطين بين دينهم وحضارة جارفة حيث فشل الدعاة الى سبيل الله لتأمين توليفة فكرية تؤلف بين الحضارة المعاصرة والعقيدة وتمنح المسلم طمأنينة اليقين (اللاريب) في مساربه الفكرية فترى المؤمنون الحيارى يبحثون في كل مسارب الفكر عن قارب نجاة يخرجهم من (الضرورة) التي تلزمهم بالخلط بين العمل الصالح والعمل السيء ... ليكون الاعتراف بالذنب يمتلك حلولا يقينية ... فكان الاتكاء على الفتاوى مخرجا من الحرج فراجت صناعة الفتوى وكثر المفتون بالمسائل المستحدثة الا انها تتحول تدريجيا على مرأى ومسمع المسلمين الحيارى من فتوى الى فتنة تتصاعد وتتسع وتزيد من فرقة المتفرقين ..!!
ذكرى :
لا يزال القرءان دستور المسلمين الاوحد وفيه
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2)
النص يستفز العقل (ذلك الكتاب) ... وليس (هذا الكتاب) وفي تلك تذكرة وهذه التذكرة تقيم سببا لنتذكر بلسان عربي مبين ان نعرف ان ذلك الكتاب هو التطبيق القرءاني في زمنه ... ونحن في هذا الزمن لا نستطيع أن نقول (هذا الكتاب) لاننا لو قلنا (هذا الكتاب) فهو يعني انه لنا (حصريا) بل هو لنا ولمن يأتي بعدنا فيكون التطبيق متجدد دائما عندما كان لابائنا واليوم لنا وغدا لاولادنا ... يربطون حاجاتهم فيه ... فيقوم فيهم الكتاب (وعاء الضرورات الثابتة) فيكون اللاريب في لفظ (ذلك الكتاب) وهي صفة تمتلك الدوام وليس في يوم محدد من ايام يداولها الله بين الناس ..!!
لو استطاع الحيارى ان يعيدوا ربط القرءان بيومياتهم لا صبحت منهجية اليقين (اللاريب) ليس وسطية تتوسط بين اصحاب التطرف العقائدي واصحاب التحلل العقائدي بل سيكونون مركزا عقائديا يكون القرءان فيه محمولا بحق عندما يتلى حق تلاوته فيقوم الاسلام موحدا بلا مذهبية لان صفة الكتاب (لاريب فيه) فهو يقين في عقل بشري (يعقل)
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (لأعراف:169)
أفلا تعقلون ... وحدها كافية لاقامة الذكرى فهذه الاثارة للتذكير وليس للتفسير ويستطيع كل حامل للقرءان ان (يعقل) النص .. افلا تعقلون ..!!
يقولون سيغفر لنا لانهم اعترفوا بذنوبهم ..؟؟ يخلطون عملا صالحا وأخر سيء ... وهل درسوا ما فيه ..؟ ام انه درس فيما مضى ... وان درسوا ما فيه ... تقوم الذكرى ... عسى ان تنفع الذكرى .
الحاج عبود الخالدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر :المعهد الاسلامي للدراسات الاستراتيجية المعاصرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق