سجن يوسف في منقلب العقل
من أجل بيان نظم ادارة الخلق
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يوسف:34)
في هذا المفصل المسطور في خارطة خلق الهي يرينا ربنا إدارته للخلق بشكل مختلف عن تصوراتنا بما في ذلك ما ورثناه من بيان موروث من الاباء حيث يكون سجن يوسف مخرجا إلهيا يقلب العقل لنرى إدارة الخالق للخلق في استجابة لدعوة يوسفية تنقله من عالم الرفاه والدلال في احظان الملك الى عالم السجن وقيوده التي لا ترحم والتي لا تستهوي العقلاء ... !! سنرى الاسود ابيضا والابيض اسودا في تلك الإدارة الربانية لمخلوقاته من خلال مقارنة ما استقر في مفاهيمنا لإدارة البشر مع ما نقرأ في نظم الادارة الالهية لخليقته كما وردت في خارطة الخالق .. أما السجن فهو أداة حجب المسجون داخل سور خلف ابواب مقفلة وحرس شديد للتخلص من سوء فعل المجرم المنحرف لكي لا يختلط الفعل الجرمي في المجتمع فيزرع السوء بين الناس فيتم عزل المجرم في سجن ..
السجن في إدارة الهية مقروءة في قرءان سيكون معكوسا في وظيفته كما هو نيجاتيف الصورة الفوتوغرافية حيث يكون (الصالح) مسجونا داخل اسوار السجن وبواباته باستجابة إلهية لدعوة من العبد حيث نرى ان الصالح في (السجن) تحت حراسة وابواب مؤصدة والسوء خارج السجن بلا ابواب وبلا حراس فاصبح السجن اداة إلهية في حماية يوسف من السوء المنتشرخارج السجن وهو فعل يعاكس صورة البيان التي ورثناها من الآباء حيث وردتنا المفاهيم إرثا معرفيا أن السجن لفاعلي السوء واهل السوء ويكون الصلاح واهل الصلاح خارج السجن ..!! مع استثناء (سجن المظلومين) في كثير من مفاصل الفكر المعرفي السائد الا ان نظرية السجن بوظيفتها المطلقة تشكل مستقرا فكريا عند الناس انه للسوء وأهل السوء .. ومن القرءان نحاول ان نرى انعطافة فكرية للنص الشريف فنقرأ بوضوح اثارة تذكيرية قرءانية تفيد ان الابواب المغلقة كانت في حيازة السوء خارج السجن وفي بيت إمرأة العزيز من اجل السوء وفعل الفحشاء وليس من اجل الصلاح وقد ثبت الله تلك الإثارة في الخطاب القرءاني
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف:23)
من هذا النص يتضح ان (تغليق الابواب) كإدارة بشرية (بيد البشر) تقع في دائرة السوء فكانت سببا لتتحول بامر الهي (إدارة الهية) الى (ابواب مغلقة) في سجن الا انه يتصف بصفة تغيير وظيفي بل انقلاب وظيفي حيث كان سجن يوسف وظيفيا لـ (حماية يوسف من الفحشاء) في نظم الأمر الالهي النافذ وهو لغرض مطلوب من العبد الصالح يوسف لـ (تصرف عني كيدهن) وهو من عقلانية المؤمن (يوسف) ومن هذه الفاعلية الايمانية الكبرى عند يوسف (رب السجن أحب الي) يتضح ان الله سبحانه وتعالى يستلب من الإدارة البشرية قوتها وهيمنتها في (تغليق الابواب) ويجعل من ابواب السجن المحكمة الاغلاق منافذ قاهرة لإدارته هو بصفته القاهر فوق عباده ونرى ان الخطاب القرءاني يبين لنا تلك المنهجية
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق:17)
تلك هي إدارة الله التي تقوم بتفعيل حيثيات إدارة السوء عند البشر لصالح الصالحين وبالتالي فان ولاية الله سبحانه وتعالى تقهر ولاية أرباب الارض وآلهتها فالصابر في إدارة الله هو الفائز بعد صبر قصير (فمهل الكافرين أملهم رويدا) .. حيث يكون الصبر على السوء (المرئي) مفتاح لإدارة الله في خلقه وذلك من كيد الله المتين
(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (لأعراف:183)
تحت تلك الناصية الفكرية القاسية نمسك بنظم الإدارة الإلهية للخلق في ادق مفاصل الادارة الربانية لشؤون الناس وحياتهم ونقرأ في القرءان ما يعلن انقلاب نتاج عقولنا في وعاء الادارة الربانية للخلق
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216)
في هذا المفصل البياني لخارطة الخالق الله يعلمنا انه يعلم ما لا نعلم وبالتالي فان ولايته المطلقة علينا حق لفاعلية الخير الذي وعدنا به وليس منـّة على الله حين نصبر على شيء من السوء فمن خرج من ولاية الخالق فقد خرج من دائرة محاسن الادارة ووقع في مساويء ادارة آلهة اخرى وأرباب غير الله سواء كان الارباب هم آلهة وطنية الهيمنة او علمية النفاذ او مذهبية الاوامر او غيرها فكل نشاط بشري يتأله (إله) ليكون إداريا يدير جناحا من أجنحة الخلق بغيا على إدارة الله ولنا في سجن يوسف آية تقرأ وتؤكد تلك الآية أن المثل اليوسفي جاء من أجل بيان خطير في صلاحيات الخالق الدائم في سلطانه في إدارة شؤون مخلوقاته والنص الشريف يجزم بتلك المنهجية كبيان يبينه الله في قرءانه
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف:39)
هذا النص يؤكد ان المثل اليوسفي في هذا المفصل هو لبيان نظم الإدارة الالهية للخلق في أدق مفاصل النشاط التي ينشط بها الانسان وفي اصعب مرحلة يعاني منها الانسان في السوء فالخطاب مربوط بـ (صاحبي السجن) وهما موصوفان بوضوح للعقل الحامل للقرءان ان السجين الذي لا يملك أمره انما يخضع لإدارة إلهية عالية النفاذ عظيمة المضمون .... وهنا يبرز بيان قرءاني عظيم يكون فيه السجن بوظيفته في عقولنا منقلب المسار عن السجن في الإدارة الالهية التي صنعت من يوسف ملكا لمصر وكان السجن بوظيفته في الإدارة الالهية منقلبا على وظيفته البشرية . وذلك ليس رأي من بشر بل هو قرءان يعقل فهو قرءان يقرأ في زمن معاصر للذين يعقلون ... ننصح بمراجعة ادراجنا (السجن والاسلام والمسلمين) في الرابط التالي
[url]http://www.airssforum.com/f617/t85195.html[/url]
(هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (الكهف:44)
تلك هي الإدارة الالهية الحق التي تؤتي ثمارها في نشأة اولى ينشئها الانسان بنفسه من بيع او شراء او زواج أوانجاب أو قول في رأي او موقف في وعاء الفكر وكل نشاط بيد الانسان سواء كان تصرفا ماديا او فاعلية عقلانية انما يمثل (نشأة اولى) ينشئها الفرد (المخلوق) وهي تخضع لإدارة إلهية بحكم مؤكد قاهر على العبد (هو القاهر) فعندما تكون ولاية العبد لخالقه حين أقام هو بنفسه النشأة الاولى فانما يحصل على توفيق الله في رشاد ما ينشط به وتبقى (النشأة الآخرة) التي تأتي بعد النشأة الاولى والتي يصفها الله (هو خير ثوابا وخير عقبا) و (عقبا) من العاقبة وفيها ثواب عاقبة الامور في زواج ناجح وانجاب موفق وكل شيء حتى شربة الماء فان كانت ملوثة فالولي (الله) يمنع عبده (عقلا) من شربها لان بيد الله النشأة الاولى والنشأة الآخرة
(وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:70)
فلا إله غير الله في بداية أي نشاط وعاقبة أي نشاط و (له الحكم) وهل للبيان بيان ابين من ما هو بين ايدينا ..؟؟ الا ان المعارف العقائدية التي يحملها وجدان العقائديين انما يتعامل مع ثقافة مجتزأة في معرفة الله فالعقائديون يعترفون ان الله هو الخالق الاوحد وانه الرقيب على الخلق وانه يثيب ويعاقب ولكنهم لا يعرفون يقينا ان الله يدير الخلق في كل مفصل وفي كل ناشطة ينشط بها الانسان والله هو الذي يقلب دائرة السوء في يد الصالح الى خير وفير كما هو مثل يوسف وحينما نرى احد العتاة او المعتدين او مخالفا ملحدا نتصور ان ذلك الخلق قد خرج من إدارة الله وان عدوانه وجرمه وفساده انما هو نشاط منفلت من الحكم الإلهي الا ان حقائق الخلق المسطورة في خارطة الخلق تؤكد ان الله بيده ملكوت كل شيء ولا تغرب عن إدارة الله حسنة او سيئة فالله هو (الحاكم) فله الحكم في كل ناشطة ولا استثناء
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) (الاسراء:4)
وقال قائل متسائل وهل الله يقضي بالفساد ..؟؟ ذلك لان الناس لا يعرفون نظم الادارة الالهية لانهم يبعدون أي صفة للسوء تلتصق بالله ورغم ان ذلك التخريج في وقار الله وثقافة تعظيم الخالق الا ان الفهم الدقيق للصلاحيات الالهية تري المخلوق ملكوت الخير وملكوت السوء في ادارة إلهية محض واقل ما يمكن ان يدركه العبد ان (تعذيب المخالف) هو (سوء) وليس (خير) والتعذيب من الله وليس من بشر لانه هو أحكم قوانين العذاب فكان السوء في منظومة إدارة الخلق يمثل قانون العقوبات الإلهي في المرض وفي سوء الانشطة الفكرية والميدانية فالملحدون في سوء فكري لانهم مشمولين بغضبة إلهية فهم لا يهتدون (وجعلنا على قلوبهم أكنة) فيكون (قضاء السوء الإلهي) في وعاء التنفيذ (الكتاب) وهو من (وقضينا .. في الكتاب لتفسدن) وهو ناموس عقابي على المخالف الذي يتصور انه منفلت من إدارة الله القاهرة على مخلوقاته
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)
فالعقوبة الإلهية رحمة بالناس (لعلهم يرجعون) وهو عقاب مجتزأ وليس كامل العقاب وتمامه بل (ليذيقهم بعض الذي عملوا) فعقوبة ما بعد الموت هي عقوبة الجزاء التام اما عقوبة الناس في الحياة الدنيا فهي من (بعض) ما عملوا وليس (كل) ما عملوا والله يبين مقاصده من تلك العقوبة (لعلهم يرجعون) وهي منهجية (إدارية) إصلاحية تضع للمخلوق برنامجا تكوينيا ليصلح نفسه (يرجع) الى ولاية الله وليس الى ولاية أرباب دنيوية يقومون بتفعيل السوء ..
ومن تلك التذكرة فان عقوبة السجن التي يمارسها أرباب الارض انما هي إدارة باطلة فالله لم ينزل في السجن سلطانا فالمجرمون هم في مجتمعهم عقوبة لمجتمعهم الذي انجبهم ولو تركت الإدارة الاصلاحية لله سبحانه سارية كما نظمها الله فان العزلة المجتمعية للمجرم هي خير وسيلة إصلاحية للمجتمع والعزلة المجتمعية للاسرة التي تنتج مجرما هي خير صلاح لتلك الاسرة ولغيرها من الاسر في دفعهم الى تعليم اولادها الفضيلة بدلا من الرذيلة فيتم الرجوع الى صاحب الولاية الحق (الله) الذي يدير شؤون خلقه في كل ومضة زمن وكرسيه في الولاية وسع السماوات والارض ولا تأخذه سنة ولا نوم
تذكرة من قرءان نعقله في منهجية تبليغ رسالي دستوري
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق