العودة كما يفهمها اللاجئون الفلسطينيون
محمد يوسف جبارين (أبو سامح ) أم الفحم .. فلسطين
- العودة كما يفهمها اللاجئون الفلسطينيون ، تعني العودة ، فالكلمة على ألسنتهم واضحة ، لا تحتاج الى تحليل وتأويل ، هي العودة ، لا كلمة أخرى يمكنها أن تستبدلها في المعنى أو تحل في محلها ، لتنوب عنها في التعبير عن مضمونها ، هي سهلة النطق عميقة الدلالة ، راسخة في أعماق الوعي الفلسطيني ، هي العودة ، الكلمة الوحيدة التي من أجل أن تقوم قيامة لها يوما ، في المكان والزمان، يستعذب الفلسطيني كل عذاب ، ويحتمل كل أعباء المواجهة مع صنوف الشقاء ،
، فهي الباعث على كل فداء ، ففدى العودة ، فدى تراب الوطن تهون التضحيات ، وتستسيغ الأم والأخت والزوجة كل بذل وعطاء ، تقدم حبيبا لها فداء للحلم الراسخ في الوجدان ، تدفع به.. تدنيه من لهب الصراع ، من أجل العودة .. بكل عنفوان التحدي ، وبكل ما يعنيه السير على الخط الرفيع الفاصل بين الحياة والموت ، فالحياة يتم استخراجها من الموت . فالموت في خلال تأهيل الحاضر ، من أجل العودة في المستقبل ، بذاته الوقود الذي يلهب الحماسة ، ويرفع الراية عاليا ، مخضبة بأعز بذل ، يمكنه شعب أن يبذله من أجل حقوقه .
فالعودة ليست ذاكرة حية فقط ، وانما هي وجود استخرج أدواته من أعماق مأساته ، وبنى بها آليات مستخرجة من وعي عميق بالصراع ، ومن فهم أصيل بحقائق القوة ، ومن ادراك فاهم ، بأن كتابة التاريخ هي من شأن من يجيد الكتابة ، ويعرف كيف يعيد هيكلة بناء مختلف لخريطة الجغرافيا السياسية في هذه المنطقة، التي يرتسم فيها العذاب بكل عتو القوة الاستعمارية ، التي لا تكف عن سكب النار على جلد هذا الفلسطيني ، الذي شاءت ظروفه له، أن يكون هو برغبته الجامحة للعودة ، باعث القلق والمخاوف في الدوائر الاستعمارية، التي نشرت كل تعريف بعمق بشاعتها في هذه المنطقة من العالم .
والسؤال الاستعماري هو كيف لا تكون عودة ، كيف يمكن اعادة صياغة الظروف بقوة التيارات التي تهب على هذه المنطقة ، بحيث لا تتحقق العودة ، فعلى ذلك المشروع الاستعماري لم ينته بخلع وجود بحاله من ترابه الوطني ، وارغامه بقوة النار على ترك حيفا ويافا و... ، ليحيا بعيدا هناك في المنافي ، وانما الاستعماريون ما يزالون يحوكون كل عملية من شأنها أن تقترب بهم من الغاء العودة بذاتها ، وليس فقط بحاجز من نار ، لا يدنو أحد منه الا ويحترق ، وليس بتآمر دولي استعماري ، يحول دون أي أرغام دولي يقيم للعودة قيمتها ويلزم تحققها بآليات تعرف للانسان قيمة ، وانما بالاقتراب بالارهاب والكيد والخديعة ، من الذين يرون في العودة حقا، يجب أن يكون محققا، وذلك كي تستوي الجريمة على مقولاتها .
وأكثر من ذلك فقد انداحت العقلية الاستعمارية الى الاقتراب من الذين يرون في العودة حقا تاريخيا ووجوديا ، وانسانيا ، فهم أصحاب القضية ، وأصبح المطلوب الاستعماري منهم أن يبدلوا في قناعاتهم ، أن يفهموا بأن العودة قرينة المستحيل ، الذي لا يمكنه أن يكون واقعا ، والأجدى لهم التخلي عن العودة ، في مقابل ترسيخ اللاعودة بتعويضات مالية ، وفكاك من شظف عيش في مخيمات ، وهي مسألة يمكن أن تقترن بتدفق أموال ضخمة توفر للاجئين بدء حياة مدنية .. في توطين في المنافي الجديدة ، وفي حال كهذا يمكن فتح آفاق من شتات ، بحيث يتم بعثرة التجمعات السكانية الفلسطينية في المخيمات ، في مناطق عربية وأميركية وأوروبية ، ويمكنها أن تكون بداية حياة لا يمكنها أن تقارن بحال ، بعيش في مخيم عين الحلوة ، أو بمخيم آخر . أو يتاح لمن يريد أن يعود الى فلسطين أن يعود الى الضفة وقطاع غزة ، ليبقى في محاصرة ، تنغص عليه عيشه بين الحين والآخر ، فأمن أسرائيل لا يمكنه أن لا يمتد ليشمل مجرى الحياة في الضفة والقطاع .. فهذا كلة غزو قناعات وعقول ونفوس ، مسألة احتلال للعقل ، ومسألة احتلال للنفس ، لاعادة هيكلة مفاهيم وقناعات قائمة في مكنون النفس الفلسطينية ، فهي مسألة زراعة وعي صهيوني في كوامن النفس الفلسطينية ، ليصبح هذا الفلسطيني متحركا بما يتفق مع أمن المشروع الأستعماري الذي صنع له نكبته ومأساته ، فهل ثمة بشاعة وفظاعة تضاهي الفكر الاستعماري وآلياته ، وما يتعلق عليها من حركة فاعلة ضد هذا الفلسطيني ، فأولا كان الاقتلاع للوجود الفلسطيني من ترابه الوطني من أجل أن تتاح قيامة كيان صهيوني على أرض فلسطين ، وبعدها أنكر هذا الكيان ، حتى وجود شعب أسمه شعب فلسطين ، ثم راح بالقوة محاولا بناء يأس أراد له أن يكون مدمرا ، في النفس الفلسطينية الهائمة حبا في عودتها الى ترابها الوطني ، الذي خلعوها منه بقوة السلاح ، ومقدما كل دليل على بطش القوة التي بظن هذا الكيان بأنه يقدم بها ، لفكرة العودة جدار المستحيل الذي لا يمكن تدميره ، لتبقى العودة حلم من يقوى على هذا المستحيل ، ثم ها هو بازاء فضاء العجز عن عبور المستحيل ، يطالب صاحب الحق بأن يساوم ويسرف في مساومته ، والى حد التنازل بمحض ارادته عن حقه في العودة الى بيت كان له هناك في فلسطين .
فاللاعودة ضرورة هوية الدولة العبرية ، فهي دولة يهودية ديمقراطية (مع الاعتذار للديمقراطية وفلاسفتها ، فهنا كيان فيه المواطنة تعتريها اختزالات هي من مقتضيات الأمن ، فثمة مواطنة ومواطنة .. اسم نزلت عليه اللعنة ، فغدا بأكثر من معنى ، فهو مضلل أحيانا ، ولا يعني ما هو حين الأمن يطرق عتباته ، لكنه الضلال بما هو عليه ، لا يملك الا أن يكون بارعا ، في تفريخ أشكال متغايرة من الضلال ، فالتضليل من ضرورات هذا الأمن ) ، فبالعودة يعود الملايين الى فلسطين ، ما ينفي أهداف المشروع الاستعماري الصهيوني ، تقوم دولة الأكثرية فيها فلسطينية ، وينتهي النظام القانوي الصهيوني ليحل في محله نظام قانوني آخر ، يهيكل الدولة الجديدة من جديد بحكم كون الدولة هي التنظيم القانوني للمجتمع ، فثمة مجتمع آخر قد نشأ بالعودة . فعلى هذا التناقض بين العودة وبين هوية الدولة اليهودية ، تصر اسرائيل على نفي العودة . لا يمكنها اسرائيل أن تتخذ قرارا بنفي ذاتها ، فهكذا المطلوب اسرائيليا من الفلسطينين ، أن تختفي فكرة العودة من أمخاخهم ، وذلك حرصا على الكيان الصهيوني ، فقد أصبحت مهمة اللاجئين ، أن يقدموا خدمة تاريخية لهذا الكيان الذي ذبح في وجودهم ورسم لهم العذاب ما استطاع ولم يزل هو هو .
فهنا أمن حلم فلسطين تهددته المخاطر ولم تزل تداهمه ، قاصدة محوه من زمان وجود فلسطيني يحيا على هذا الحلم ، من اللحظة التي وجد نفسه في الخيام ، لا يملك امكانية عودته بالقوة الى دياره .
فنحن بازاء تناقض وجودي بين وجودين ، فأمن كل منهما في تنافر، بل وفي صراع لا يستوي فيه تواصل ولا تفاهم ، ولا غير هذا أو ذاك في المكان ، أما كليمها معا في المكان فذاك اللاممكن صهيونيا ، بحكم اقتران مفهوم الأمن صهيونيا بالتفرد بالمكان .
ولهذا وبقوة الايمان بحق العودة ، تطل من الأعماق الفلسطينية ، فكرة ديمومية اللامساومة في الحق ، فمن حق من له الحق في حق يمسك به من لا حق له أن يعود له حقه ، فهكذا جملة السلام من منظور فلسطيني ، وهكذا اللاسلام من منظور صهيوني ، والسلام لا يعني الاستسلام على حد تعبير الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، لكن اسرائيل تفتش عن سلام على منوالها هي ، خلوا من العودة ، سلام باقرار اختفاء العودة من اتفاق على قيام دولة فلسطينية ، بحال وأحوال لا تتنافى مع أمن اسرائيل .
ولقد ارتفعت أصوات فلسطينية ، تقول بملء المرارة في الفم ، وبملء العلقم في نبرات صوتها ، تقول بأن التنازل عن حق العودة يمكنه ، أن يحفظ الأقصى ويحفظ ما تبقى من القدس ، ويفسح المجال أمام تنازلات من جانب اسرائيل ، تنفك في ضوئها اشكاليات ، لربما تفسح الطريق الى اقامة دولة فلسطين في الضفة والقطاع .
لكن أسئلة تترى في سياق تهافت كهذا ، فهل أسقاط حق العودة ، يؤدي بالجانب الاسرائيلي الى الموافقة على الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران عام 1967، على كل ما يعنيه ذلك من تفكيك للمستوطنات ، أو اخلائها وتسليمها للجانب الفلسطيني سليمة كما هي ، لا كما حصل بيميت (كانت في سيناء ، وحين اخلائها قاموا بتفكيكها .. بتدميرها ) ، وهل اسقاط حق العودة ، يؤدي بالجانب الاسرائيلي الى الموافقة على قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة ، حرة في نموها وتطورها ، وفي بناء أمنها وتدعيمه بسلاح طيران ، وسلاح بحري ، وبري ، وفضائي في مستقبل الأيام ..، وبأن يكون لدولة فلسطين أن تقيم التحالفات العسكرية التي ترتأيها وتراها مفيدة لتدعيم أمنها ، أو تقيم تحالفات مع جيوش عربية ، وتعطيها قواعد على أرضها ، هل توافق اسرائيل على هذا ، هل توافق على سيادة حقيقية للفلسطينيين في دولتهم ، وهل توافق اسرائيل بالتوافق مع اسقاط حق العودة ، على جعل دولة فلسطين وطنا لكل الفلسطينيين ، أي أن يعود الفلسطينيون الى الضفة والقطاع بالملايين ويتم توفير كل امكانيات النمو والتطور لهم ، هل توافق اسرائيل أن تكون خارج الأمن الفلسطيني .. وهل توافق اسرائيل على الانسحاب من منطقة القدس الى حدود الرابع من حزيران ..هل توافق على الانحسار خارج القدس التاريخية العربية، وخارج التأثير على منطقة المسجد الأقصى ، وهل توافق بعد ذلك على أن لا يكون أمنها متناقضا أبدا مع الأمن القومي العربي ، وتنسلخ من كل اندراج ، في كل تحريض وتآمر دولي ، على هذا الأمن القومي العربي ، أليس ذلك اللاممكن الذي لا يمكنه أن يكون، في حال مثل الغطرسة الاستعمارية التي عليها اسرائيل .
، فهي الباعث على كل فداء ، ففدى العودة ، فدى تراب الوطن تهون التضحيات ، وتستسيغ الأم والأخت والزوجة كل بذل وعطاء ، تقدم حبيبا لها فداء للحلم الراسخ في الوجدان ، تدفع به.. تدنيه من لهب الصراع ، من أجل العودة .. بكل عنفوان التحدي ، وبكل ما يعنيه السير على الخط الرفيع الفاصل بين الحياة والموت ، فالحياة يتم استخراجها من الموت . فالموت في خلال تأهيل الحاضر ، من أجل العودة في المستقبل ، بذاته الوقود الذي يلهب الحماسة ، ويرفع الراية عاليا ، مخضبة بأعز بذل ، يمكنه شعب أن يبذله من أجل حقوقه .
فالعودة ليست ذاكرة حية فقط ، وانما هي وجود استخرج أدواته من أعماق مأساته ، وبنى بها آليات مستخرجة من وعي عميق بالصراع ، ومن فهم أصيل بحقائق القوة ، ومن ادراك فاهم ، بأن كتابة التاريخ هي من شأن من يجيد الكتابة ، ويعرف كيف يعيد هيكلة بناء مختلف لخريطة الجغرافيا السياسية في هذه المنطقة، التي يرتسم فيها العذاب بكل عتو القوة الاستعمارية ، التي لا تكف عن سكب النار على جلد هذا الفلسطيني ، الذي شاءت ظروفه له، أن يكون هو برغبته الجامحة للعودة ، باعث القلق والمخاوف في الدوائر الاستعمارية، التي نشرت كل تعريف بعمق بشاعتها في هذه المنطقة من العالم .
والسؤال الاستعماري هو كيف لا تكون عودة ، كيف يمكن اعادة صياغة الظروف بقوة التيارات التي تهب على هذه المنطقة ، بحيث لا تتحقق العودة ، فعلى ذلك المشروع الاستعماري لم ينته بخلع وجود بحاله من ترابه الوطني ، وارغامه بقوة النار على ترك حيفا ويافا و... ، ليحيا بعيدا هناك في المنافي ، وانما الاستعماريون ما يزالون يحوكون كل عملية من شأنها أن تقترب بهم من الغاء العودة بذاتها ، وليس فقط بحاجز من نار ، لا يدنو أحد منه الا ويحترق ، وليس بتآمر دولي استعماري ، يحول دون أي أرغام دولي يقيم للعودة قيمتها ويلزم تحققها بآليات تعرف للانسان قيمة ، وانما بالاقتراب بالارهاب والكيد والخديعة ، من الذين يرون في العودة حقا، يجب أن يكون محققا، وذلك كي تستوي الجريمة على مقولاتها .
وأكثر من ذلك فقد انداحت العقلية الاستعمارية الى الاقتراب من الذين يرون في العودة حقا تاريخيا ووجوديا ، وانسانيا ، فهم أصحاب القضية ، وأصبح المطلوب الاستعماري منهم أن يبدلوا في قناعاتهم ، أن يفهموا بأن العودة قرينة المستحيل ، الذي لا يمكنه أن يكون واقعا ، والأجدى لهم التخلي عن العودة ، في مقابل ترسيخ اللاعودة بتعويضات مالية ، وفكاك من شظف عيش في مخيمات ، وهي مسألة يمكن أن تقترن بتدفق أموال ضخمة توفر للاجئين بدء حياة مدنية .. في توطين في المنافي الجديدة ، وفي حال كهذا يمكن فتح آفاق من شتات ، بحيث يتم بعثرة التجمعات السكانية الفلسطينية في المخيمات ، في مناطق عربية وأميركية وأوروبية ، ويمكنها أن تكون بداية حياة لا يمكنها أن تقارن بحال ، بعيش في مخيم عين الحلوة ، أو بمخيم آخر . أو يتاح لمن يريد أن يعود الى فلسطين أن يعود الى الضفة وقطاع غزة ، ليبقى في محاصرة ، تنغص عليه عيشه بين الحين والآخر ، فأمن أسرائيل لا يمكنه أن لا يمتد ليشمل مجرى الحياة في الضفة والقطاع .. فهذا كلة غزو قناعات وعقول ونفوس ، مسألة احتلال للعقل ، ومسألة احتلال للنفس ، لاعادة هيكلة مفاهيم وقناعات قائمة في مكنون النفس الفلسطينية ، فهي مسألة زراعة وعي صهيوني في كوامن النفس الفلسطينية ، ليصبح هذا الفلسطيني متحركا بما يتفق مع أمن المشروع الأستعماري الذي صنع له نكبته ومأساته ، فهل ثمة بشاعة وفظاعة تضاهي الفكر الاستعماري وآلياته ، وما يتعلق عليها من حركة فاعلة ضد هذا الفلسطيني ، فأولا كان الاقتلاع للوجود الفلسطيني من ترابه الوطني من أجل أن تتاح قيامة كيان صهيوني على أرض فلسطين ، وبعدها أنكر هذا الكيان ، حتى وجود شعب أسمه شعب فلسطين ، ثم راح بالقوة محاولا بناء يأس أراد له أن يكون مدمرا ، في النفس الفلسطينية الهائمة حبا في عودتها الى ترابها الوطني ، الذي خلعوها منه بقوة السلاح ، ومقدما كل دليل على بطش القوة التي بظن هذا الكيان بأنه يقدم بها ، لفكرة العودة جدار المستحيل الذي لا يمكن تدميره ، لتبقى العودة حلم من يقوى على هذا المستحيل ، ثم ها هو بازاء فضاء العجز عن عبور المستحيل ، يطالب صاحب الحق بأن يساوم ويسرف في مساومته ، والى حد التنازل بمحض ارادته عن حقه في العودة الى بيت كان له هناك في فلسطين .
فاللاعودة ضرورة هوية الدولة العبرية ، فهي دولة يهودية ديمقراطية (مع الاعتذار للديمقراطية وفلاسفتها ، فهنا كيان فيه المواطنة تعتريها اختزالات هي من مقتضيات الأمن ، فثمة مواطنة ومواطنة .. اسم نزلت عليه اللعنة ، فغدا بأكثر من معنى ، فهو مضلل أحيانا ، ولا يعني ما هو حين الأمن يطرق عتباته ، لكنه الضلال بما هو عليه ، لا يملك الا أن يكون بارعا ، في تفريخ أشكال متغايرة من الضلال ، فالتضليل من ضرورات هذا الأمن ) ، فبالعودة يعود الملايين الى فلسطين ، ما ينفي أهداف المشروع الاستعماري الصهيوني ، تقوم دولة الأكثرية فيها فلسطينية ، وينتهي النظام القانوي الصهيوني ليحل في محله نظام قانوني آخر ، يهيكل الدولة الجديدة من جديد بحكم كون الدولة هي التنظيم القانوني للمجتمع ، فثمة مجتمع آخر قد نشأ بالعودة . فعلى هذا التناقض بين العودة وبين هوية الدولة اليهودية ، تصر اسرائيل على نفي العودة . لا يمكنها اسرائيل أن تتخذ قرارا بنفي ذاتها ، فهكذا المطلوب اسرائيليا من الفلسطينين ، أن تختفي فكرة العودة من أمخاخهم ، وذلك حرصا على الكيان الصهيوني ، فقد أصبحت مهمة اللاجئين ، أن يقدموا خدمة تاريخية لهذا الكيان الذي ذبح في وجودهم ورسم لهم العذاب ما استطاع ولم يزل هو هو .
فهنا أمن حلم فلسطين تهددته المخاطر ولم تزل تداهمه ، قاصدة محوه من زمان وجود فلسطيني يحيا على هذا الحلم ، من اللحظة التي وجد نفسه في الخيام ، لا يملك امكانية عودته بالقوة الى دياره .
فنحن بازاء تناقض وجودي بين وجودين ، فأمن كل منهما في تنافر، بل وفي صراع لا يستوي فيه تواصل ولا تفاهم ، ولا غير هذا أو ذاك في المكان ، أما كليمها معا في المكان فذاك اللاممكن صهيونيا ، بحكم اقتران مفهوم الأمن صهيونيا بالتفرد بالمكان .
ولهذا وبقوة الايمان بحق العودة ، تطل من الأعماق الفلسطينية ، فكرة ديمومية اللامساومة في الحق ، فمن حق من له الحق في حق يمسك به من لا حق له أن يعود له حقه ، فهكذا جملة السلام من منظور فلسطيني ، وهكذا اللاسلام من منظور صهيوني ، والسلام لا يعني الاستسلام على حد تعبير الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، لكن اسرائيل تفتش عن سلام على منوالها هي ، خلوا من العودة ، سلام باقرار اختفاء العودة من اتفاق على قيام دولة فلسطينية ، بحال وأحوال لا تتنافى مع أمن اسرائيل .
ولقد ارتفعت أصوات فلسطينية ، تقول بملء المرارة في الفم ، وبملء العلقم في نبرات صوتها ، تقول بأن التنازل عن حق العودة يمكنه ، أن يحفظ الأقصى ويحفظ ما تبقى من القدس ، ويفسح المجال أمام تنازلات من جانب اسرائيل ، تنفك في ضوئها اشكاليات ، لربما تفسح الطريق الى اقامة دولة فلسطين في الضفة والقطاع .
لكن أسئلة تترى في سياق تهافت كهذا ، فهل أسقاط حق العودة ، يؤدي بالجانب الاسرائيلي الى الموافقة على الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران عام 1967، على كل ما يعنيه ذلك من تفكيك للمستوطنات ، أو اخلائها وتسليمها للجانب الفلسطيني سليمة كما هي ، لا كما حصل بيميت (كانت في سيناء ، وحين اخلائها قاموا بتفكيكها .. بتدميرها ) ، وهل اسقاط حق العودة ، يؤدي بالجانب الاسرائيلي الى الموافقة على قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة ، حرة في نموها وتطورها ، وفي بناء أمنها وتدعيمه بسلاح طيران ، وسلاح بحري ، وبري ، وفضائي في مستقبل الأيام ..، وبأن يكون لدولة فلسطين أن تقيم التحالفات العسكرية التي ترتأيها وتراها مفيدة لتدعيم أمنها ، أو تقيم تحالفات مع جيوش عربية ، وتعطيها قواعد على أرضها ، هل توافق اسرائيل على هذا ، هل توافق على سيادة حقيقية للفلسطينيين في دولتهم ، وهل توافق اسرائيل بالتوافق مع اسقاط حق العودة ، على جعل دولة فلسطين وطنا لكل الفلسطينيين ، أي أن يعود الفلسطينيون الى الضفة والقطاع بالملايين ويتم توفير كل امكانيات النمو والتطور لهم ، هل توافق اسرائيل أن تكون خارج الأمن الفلسطيني .. وهل توافق اسرائيل على الانسحاب من منطقة القدس الى حدود الرابع من حزيران ..هل توافق على الانحسار خارج القدس التاريخية العربية، وخارج التأثير على منطقة المسجد الأقصى ، وهل توافق بعد ذلك على أن لا يكون أمنها متناقضا أبدا مع الأمن القومي العربي ، وتنسلخ من كل اندراج ، في كل تحريض وتآمر دولي ، على هذا الأمن القومي العربي ، أليس ذلك اللاممكن الذي لا يمكنه أن يكون، في حال مثل الغطرسة الاستعمارية التي عليها اسرائيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق